محمد المشوخي - تمتاز طبقة فحل (بيلاّ) بموقعها الجغرافي الفريد، حيث تقع على سفح جبل يطل مباشرة على غور الاردن، ويشرف على جبال فلسطين حيث يمكن الزائر في يوم ربيعي جميل، رؤية جبال حيفا من هذه المدينة، التي تتميز ايضاً عن غيرها بوقوعها تماماً على مستوى سطح البحر، وهنالك نبع من المياه لا ينضب يصب في الوداي اليانع بخضرته وبساتينه وجمال انسيابه.
وطبقة فحل من اقدم المواقع في الاردن ومن اغناها تاريخياً واثرياً على الاطلاق، حيث استمر الاستيطان فيها منذ عصور ما قبل التاريخ، ووجد فيها ما يدل على ذلك. واستمرارية المدينة تعود الى مصادرها الطبيعية، من مياه وارض خصبة هذا بالاضافة الى مناخها المعتدل اللطيف وكذلك موقعها الاستراتيجي على طرق قوافل التجارة والحج في الفترات المتعاقبة من تاريخ المنطقة.
ولقد وجد في المدينة ما يؤكد انها كانت مأهولة بالسكان وذات نشاط زراعي في العصر الحجري والكاثوليكي والبرونزي وكذلك الحديدي، وذلك بناء على الادوات الحجرية والمعدنية والفخار وبقايا البيوت السكنية والمقابر والكهوف الكثيرة المكتشفة في المدينة.
اما اقدم المراجع التاريخية التي ارّخت المكان، فهي من القرن التاسع عشر قبل الميلاد، فلقد ذكرت المدينة في الكتابات المصرية باسم «فِهلوم» و«بِهل» كأحد المدن الخاضعة لحكم مصر، وذكرت في مخطوطات تل العمارنة كمكان صنع عربات الجيش المصرية الحربية، وكانت المدينة مركزاً تجارياً مزدهراً يمتاز بعلاقات مُتبادلة مع الشام الى الشمال ومصر في الجنوب بالاضافة الى قبرص.
وعند انقسام الامبراطورية اليونانية على نفسها بعد موت الاسكندر الكبير، تغير اسم المدينة الى «بيلا» وكان ذلك اما تكريماً لمسقط رأس القائد المقدوني (بيلا) او تحويراً للاسم القديم «بِهلوم» او للسببين معاً، ولقد تعاقب كل من السلوقيين والبطالمة في احتلال المدينة لأكثر من مرة عندما تنازعوا فيما بينهم على تركة الاسكندر في الشرق آنذاك.
ولقد ازدهرت المدينة مجدداً في العهد الروماني، حيث انضمت الى حلف المدن العشر الروماني «الديكابولس» مثلها مثل مدينة جرش ومدينة عمان التي كانت تُدعى فيلادلفيا ولقد وجد في المدينة الكثير من المعالم الرومانية اهمها مدرجاً صغيراً في اسفل الجبل بالقرب من النبع، وكذلك بقايا نافورة ضخمة وشارع تحيط به الاعمدة، وقطع من العملة والاواني الزجاجية الرومانية، اما في الفترة البيزنطية فقد بُنيت فيها عدة كنائس حيث لجأ اليها، من القدس الكثير من المسيحيين، وهنالك في المدينة كنيستان كبيرتان وكذلك بقايا ارضيات فسيفسائية وقطع من الرخام وقبور وبقايا هياكل عظمية تعود الى ذلك العصر، ولقد احتل الفرس طبقة فحل عام 614 ميلادي ولكنهم سرعان ما تركوها راجعين.
اما في العصور الاسلامية الاولى، فلقد شهدت طبقة فحل «معركة فحل» المعروفة في التاريخ الاسلامي عام 635 ميلادية، والتي انتصر فيها المسلمون على يد ابو عبيدة عامر بن الجراح زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
اما في العصر الاموي، فلقد ازدادت اهمية المدينة، حيث وجدت فيها البيوت المتناثرة هنا وهناك وكذلك مسجد اموي بالاضافة الى الاواني الفخارية الرائعة الصنع، وايضاً السيراميك المصنوع في جرش وايضاً السيراميك المستورد من جزيرة «رودس».
ولكن المدينة كغيرها من مدن ذلك العصر، هدمت في الهزة الارضية التي اصابت المنطقة بأسرها عام 747 ميلادي الذي ادى الى اختفاء معالمها وتناقص اهميتها في الفترات اللاحقة، ولكنها بقيت مأهولة بالسكان في العصور العباسية والمملوكية حيث وجد فيها بقايا مسجد مملوكي، واشتهرت ايام المماليك ايضاً بزراعة قصب السكر وانتاج السكر بكميات تجارية.
اما اليوم، فزيارة الى طبقة فحل «بيلاّ» تشعرك بعظمة المدينة وتنامي اطرافها على مساحة كبيرة تتكون من سفح الجبل وجانبي الوادي الذي يقع الى الجنوب وكذلك الى جهة الشمال والتلال المحيطة، وتشعر ايضاً وانت تحث الخطى في انحاء المدينة، بأنك انما تمشي على بيوت ومعالم وآثار عظيمة، تستدعي الاسراع في ارسال البعثات الاثرية الاردنية الى هذه المدينة، التي ما زال معظمها مطمور تحت الارض، والكشف عن المزيد من تاريخها واهميتها على مر الزمان.
طبقة فحل «بيلاّ» مدينة الحلف الروماني وارض معركة فحل الاسلامية
12:00 12-12-2004
آخر تعديل :
الأحد